الحمد لله رب العالمين وبعد، أنه قد يصعب على شخص ما إثبات حقه عند لجوئه للقضاء ويتعذر ذلك لعدم وجود بينة قاطعة تظهر الحق المطالب به و تميل الكفة إلى صالحه خاصة أن تلك الاتفاقيات تقع عادة في المجالس و تنص الالتزامات و الحقوق و أن أكثر ما يصعب الأمر أنها في الأغلب تكون تلك المجالس محفوفة بالثقة و الأمانة و المعرفة المسبقة بين الأطراف مما يخجل بسبب ذلك الشخص عن توثيق الاتفاقية أو بنودها أو هم في الأغلب التجار للثقة في إعطاء كلمة بوعد وأن العرف التجاري بأن للتجار كلمته و هي شرفه و سمعته و إخلاله بالكلمة إخلاله بسمعته لدى بقية التجار و فساد تجارة بالكامل مما يعرض الشخص غير الموثق مستقبلا أمام القضاء إلى مدعي لا بينة له أو شخص لديه قرائن لا ترقى بأن تكون دليل حقيقي يعتمد عليه لتسبيب حكم قضائي مما تكون دعواه أقرب للرد من القبول رغم مطالبة لحق مشروع له.
إن الشهادة نوع من أنواع الإثبات لدى الفقه الإسلامي و النظام السعودي أي أن بها يثبت الحق أو يرد بداية نبدأ في الفقه الإسلامي فلها شروط منها مثلا أن تكون موصلة أي أنها تقطع بدورها على إثبات حق أو نفيه بأن يقول أن فلان قد أعطى فلان أو أن فلان قد باع لفلان بحضور و بشهادتي للحدث لا أن يقول أني قد سمعت أو قيل لي فهذه لا تعتد كشهادة كما أن من الشروط أن لا تجر لصاحبها منفعة كمن يشهد بأن فلان قد باع لأبيه المتوفى العقار كذا فهذا لا يصح لأنه وارث لأبيه المتوفى و العقار سيكون له من نصيب و منفعة وغيرها كثير و لإثبات الحق فإن أول ما يستند إليه كتاب الله عز وجل فقد جاء في محكم تنزيل قوله تعالى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ }
و هو أمر من المولى للمؤمنين بأنه حال التعامل التجاري و المدني في أمر غير مقبوض أي لأجل مسمى بأن يشهد على هذا التعامل رجلين أو رجل و امرأتان حتى لا تضيع الحقوق أو تنسى وهو أعفى و اسلم للشخص فإنه قد لا ينكر الشخص الآخر بعد مدة من الزمن لكنه قد سقط الأمر من ذاكرته و يرى بأنه قد اوفى بذلك الالتزام أو أنه لم يلتزم معه بهذا و هو غير ذلك من غفلة صاحبها لا جحود و نحسن الخير في الناس إن من الملفت للنظر بأنه يغلب على القارئ عند سماعه أو قراءته للآية الكريمة بأنه يظن أن هذا نصاب الشهادة ولا يحق النزول عنها والأمر خلاف ذلك فبالنظر في التطبيق العملي والبين في الأثر عن النبي صل الله عليه و على آله و سلم نجد بأنه قد قبل شهادة بن عمر في رؤية الهلال و أجاز الشهادة في قضية سلب وقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت ثقة فيما لا يطلع عليه إلا النساء وينظر بأنها مقبولة في العبادات و لوحظ وجود فروقات طفيفة في ذلك بين المذاهب لا تؤثر على قبول شهادة الشاهد الواحد و يثور السؤال هنا ، ماذا قنن المنظم السعودي لشهادة الشاهد الواحد ؟
والجواب بحول الله بسيط فالرجوع إلى نظام الإثبات السعودي الصادر 1443/05/26 هـ الموافق: 30/12/2021 مـ باب الخامس باب الشهادة نجد بأنه قد قسم الباب إلى عدة فصول ويهمنا في ذلك إجراءات الاثبات بالشهادة وردت فيها عدة شروط منها لا يكون أهلاً للشهادة من لم يبلغ سن (الخامسة عشرة) ومن لم يكن سليم الإدراك و يجوز أن تسمع أقوال من لم يبلغ سن (الخامسة عشرة) على سبيل الاستئناس كما أنه تؤدى الشهادة شفاهاً ويجوز أداؤها كتابة بإذن المحكمة و الملاحظ بأن النظام لم يتطرق إلى شهادة الشاهد الواحد و لم يجعل لها تقنين خاصة كما لم يقنن الشهادة بعدد معين إلا في الحدود و هو المعمول به لدى الجهة القضائية فالدائرة ناظرت النزاع الصلاحية في الاستماع إلى شهادة دون أخرى و تقوية شهادة بمين و خلافه مما يرتاح له ضمير ها من صدق الشهادة و أن الصلاحية الممنوحة للجائرة القضائية في تعاملها مع الشهود و شهادتهم لا يعارض نص شرعي و إنما يدخل في باب الاجتهاد و قد واقعتين متشابهة و ترى أن دائرة قضائية أخذت بالشهادة و الدائرة الأخرى لم تأخذ و قد يلاحظ البعض أن هذا الاختلاف لا يليق بالجهة القضائية لرغبتهم بأن تكون الأحكام القضائية مطابقة و موحدة تعتبر أنها صادرة من ذات المنبع و هو خلاف فقهي مثابر منذ فترة و يثار كل فترة و أخرى عن هل يجب على المنظم تقنين كل عقوبة و إجراء و تنظيم أو ينظم الأساسيات و يترك باب الاجتهاد للقضاء كلا حسب رؤيته وقائع الدعوى أمام ؟ وهذا أمر قد نتطرق له فيما بعد في مقال آخر.
الخلاصة: أن المنظم السعودي لم يضع شرط عدد في الشهود إلا في الحدود حسب ما نصت آيات كتاب المولى عز و جل و جاءت به سنة النبي محمد صل الله عليه و على آله و سلم و إنما اهتم في شروطهم و موانعهم و إجراءاتها و نفيها و غيرها من الجوانب المتعلقة بها دون التطرق لفكرة قبول الشاهد الواحد من عدمه مما يرجع الأمر جملة و تفصيلا للقضاء في تحديد قابلية الشهادة من عدمها .